شارك المقال عبر:
حسين الحاجي:
أصبح الآن غنياً عن الذكر أن التجارة الإلكترونية هي مستقبل العالم، وعندما نتكلم عن التجارة الإلكترونية فنحن لا نتكلم عن ممارسة أو نشاط في منطقة محدودة من العالم بل عن شبكة عملاقة صارت تربط العميل أو المستهلك النهائي الفرد بكبرى العلامات التجارية حول العالم وبشكل مباشر في ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ، حيث اقتصر التبادل التجاري الدولي في تاريخ الإنسان على تجارة الجملة والكميات الضخمة وعلاقات-صفقات تجارية عالمية يقف على طرفيها تجار كبار من دول ومناطق مختلفة.
أما الآن فقط أصبح العملاء الأفراد يتمتعون بمزايا عديدة تقدمها لهم التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت والتي أخذت تسمح لهم بدخول مجال البيع والشراء المحلي والدولي وعلى نطاق شاسع ولكن في تجارة التجزئة وليس الجملة، فقد أصبح بالإمكان للفرد الشراء من المالك الأول في أقصى الأرض دون الاضطرار إلى دفع تكلفة تسلسل المنتج بين عدة تجار حتى يصل إلى تاجر التجزئة الصغير الأقرب إلى المستهلك النهائي.
عدى عن تعدد الأنشطة التي أصبحت تمكّن العميل من مزايا عديدة في رحلة التسوق عبر الإنترنت، مثل مشاركة المعلومات والاهتمامات، التواصل والبحث والمقارنة بين المنتجات والأسعار والتسوق واستعراض المنتجات في أضخم منصات البيع وأخيراً الشراء، دون أن يضطر إلى التحرك من مكانه.
هذه المزايا بطيبعة الحال تخدم البائع أيضاً وتسهل له الوصول للعميل بحكم تعدد القنوات والأنشطة اللي من الممكن جذب العميل من خلالها .. وهذا الكلام كله يشمل المنتجات المادية المحسوسة ويشمل أيضاً حتى الخدمات بكل أنواعها ما دام هناك بيع وشراء عن طريق الإنترنت .
الكثير من مزايا التجارة الإلكترونية توضحت لنا عبر تجاربنا كعملاء، لكن هناك مزايا رئيسية نحتاج للتركيز عليها عندما نريد خوض تجاربنا كبائعين .. وهي مزايا مفتاحية تؤثر على رائد الأعمال في اتخاذ قراره من أجل التحول والدخول إلى التجارة الإلكترونية.. مثلاً:
نركز هنا على واحدة من أهم وأجمل خصائص ومزايا التجارة الإلكترونية، وهي التغلب على معوقات المساحة الجغرافية في وصول التاجر للعميل والعكس .. فعبر توفر وتطور الحلول اللوجستية لم تعد تتأثر العمليات الشرائية والمبيعات بصعوبات المسافة، وصارت أصغر قطعة يمكن أن يبيعها تاجرٌ في شرق الأرض على عميل في غربها وتصل القطعة في أيام وبمختلف خيارات الدفع.. سواء الدفع الإلكتروني أو الدفع عند الاستلام.
وبنفس الوقت صار المتجر يعمل 24 ساعة طوال أيام الأسبوع بدون الحاجة إلى تناوب موظفين على التواجد في المتجر.. ويمكن للعميل الدخول على المتجر في أي وقت وإجراء العملية الشرائية والمغادرة حتى في ظل غياب صاحب المتجر، الذي يأتي دوره لاحقاً في إكمال الخطوات الباقية في تأكيد وتجهيز الطلب.
وهنا نكون انتشرنا جغرافياً على رقعة أوسع.. دون تضييع ساعة واحدة خلال اليوم.. وبدون جهد مضاعف.
لو كان لدينا معرضٌ أو متجرٌ تقليدي، فمن الطبيعي أن محتويات هذا المعرض لا تبقى على حالة واحدة طوال أيام السنة، بحكم تعاقب عدة مناسبات ومواسم وأعياد وكل فترة لها منتجاتها ومتطلباتها ودعايتاها وعروضها، كموسم رمضان أو موسم العيد، وتأثير الموسم سينعكس على نوعية المنتجات المعروضة وجديدها وقديمها وأحياناً حتى جو المعرض نفسه يحتاج ترتيب معين في الديكور واللوحات والواجهات وربما الأسعار حتى يٌستفاد تسويقياً من استعداد العميل للشراء في هذه الأوقات ..
وكل هذا له ثمنه وتكلفته في الوقت والجهد والمال .. وقد يصادف أحياناً أننا نزور معارض كبرى على مستوى البلد في موسم العودة للمدارس مثلاً ونرى المعرض كله مشغول بإعادة التنسيق والترتيب ومجموعة كبيرة من الموظفين مشغولين في هذا التغيير .. ونتخيل مثلاً لو كانوا يحتاجون إلى تفريغ زاوية معينة في المعرض لمنتجات سيكون عليها خصومات وتصفية.. وما مقدار الجهد الذي سيبذل في هذه العملية في كل مرة..
هذا كله يأخذ شكلاً آخر على المتجر الإلكتروني، نظراً لعدم التزامنا بمعرض يزوره الناس، وبدلاً عنه لدينا واجهة متجرٍ إلكتروني يمكننا التحكم بكل تفاصيلها من لوحة تحكم واحدة سلسة وسهلة الاستخدام والأهم: أن الأثر يتم بشكل فوري .. وبدون أي جهد ولا تكلفة ..
بمعنى، لو أردنا نشر إعلانات عن منتجات جديدة.. أو إضافة منتجات جديدة.. أو نخفي منتجات غير متوفرة. لو رغبنا في تحديث المخزون والكميات.. ونعيد ترتيب عرض المنتجات وتصنيفها على المتجر. أو نغير في الوصف أو الصور أو المعلومات أو التصنيف والتقسيم .. أو حتى الأسعار .. كل إجراءات إدارة الواجهة والعرض على متجرك الإلكتروني بإمكانك تنفيذها بضغطة زر وأنت في مكانك .. ونكرر : الأهم أن الأثر لحظي وفوري، أول ما تغير أي شيء في لوحة التحكم سينعكس فوراً على الواجهة ولن تحتاج لفترة تنفيذ طويلة حتى تنتهي من أي تغيير ترغب في عمله.. كما ما هو الحال في المتجر التقليدي.
في التجارة الإلكترونية ستنسى موضوع المكان إلى حد ما كما أشرنا في الجزء الخاص بالتغلب على صعوبات الجغرافيا، ولن تحتاج إلى فتح معرض لاستقبال العملاء فضلاً عن أن تحتاج إلى زيادة عدد الفروع لتحقيق انتشار أكبر، فلو كنت تمارس نشاطك الإلكتروني بشكل أساسي في حائل مثلاً لن تحتاج إلى فتح فروع في أبها والرياض وجدة والدمام حتى تصل للعملاء هناك ولن يكون ضرورياً أي تواجد خارج مكانك الأول حتى تنتشر على مستوى المملكة.
وكلنا نعرف أن موضوع النجاح في اختيار الموقع الممتاز تجارياً مع النجاح في خطة الانتشار والتوسع هو موضوع يهمّ كل أصحاب الأعمال.. ويكلفهم الكثير بنفس الوقت.. لأن العملية تمر بدراسات جدوى واختيار مواقع ومفاوضة على الايجارات وتجهيز الموقع من ديكورات ومستلزمات وأرفف ومخزون وخطة سلاسل إمداد وتشغيل.. عدى عن الموظفين ورواتبهم.. وطبعاً غير التنقلات الكثيرة لإنهاء هذه الخطوات .. وهذا إذا ما كان ممكن الانتشار عن طريق منح الامتياز.
هذا كله لا ذكر له في التجارة الإلكترونية :
هو موقع واحد على الإنترنت يفتحه العميل من أي بقعة جغرافية طالما يتوفر لديه انترنت ويمكنه أن يطلب خلال أي وقت من اليوم وتصله الشحنة عبر أي وسيط لوجستي .. ويبقى البائع في مكانه والعميل في مكانه لكن المشروع نفسه ينتشر أكثر وأكثر.. في التجارة الإلكترونية لا معرض بعيد ولا معرض مغلق!
هنا نأتي إلى الامتيازات التقنية الجبارة التي تتمتّع بها المتاجر الإلكترونية ولا يمكن توفيرها في المتجر التقليدي.
المتجر الإلكتروني يكون عادة مرتبط بمنصة تقدم خدمة جمع وتحليل البيانات ، لكن أي بيانات ؟ كل ما يجري داخل متجرك الإلكتروني تقوم المنصات بالتعرف عليه وجمعه على شكل أرقام ومعلومات، مع تحليله وإخراجه على شكل تقارير برسوم بيانية سهلة القراءة والفهم وتساعد في اتخاذ القرارات على أرضية واضحة جداً. بمعنى أنه من الصحيح أن البائع في مكان والعميل في مكان لكن كل ما يجري داخل المتجر الإلكتروني بإمكان البائع أنه يتعرف عليه. مثلاً:
من أين العميل دخل على المتجر، هل من تويتر أو من الانستاجرام أو من محرك البحث قوقل مثلا ..
وما هي الصفحات أو المنتجات أو الأقسام اللي تحقق زيارات أكبر .. وتفضيلات أكثر ..
وتلك التي عليها إقبال أقل..
وكم متوسط الوقت الذي يقضيه العملاء داخل المتجر ..
مع تفاصيل عن شريحة العملاء أو الزوار: كم عدد الزوار في ساعة معينة من اليوم، ويمكن الحصول على عدد الزوار بشكل لحظي ومباشر .. بالإضافة إلى المواقع الجغرافية والفئة العمرية وحتى نظام ونوع الجهاز الذي يستخدمه الزائر في الدخول على المتجر.
كل هذا ترصده المنصات التحليلية بشكل آلي تماماً وتلقائي وبدون أي تدخل بشري .. وبطبيعة الحال من المستحيل الحصول على ميزة بهذه النتائج الدقيقة والعميقة والمفصلة في المتجر التقليدي .. ولكن يبقى السؤال كيف ممكن أستفيد أنا من هذه الميزة ؟
الجواب في النقطة القادمة.
هناك فكرة شائعة عن التسويق الإلكتروني، وهذه فرصة جيدة للتعليق عليها. ومفاد هذه الفكرة أن البعض يظن أن (التسويق الإلكتروني مجاني بالكامل) بمعنى يعتقد أنه يكفي فقط نشر منشورات مجانية على مواقع التواصل الاجتماعي ومع بعض “الهاشتاقات” وستغنيه عن أي استراتيجية تسويقية أخرى، وهذا ليس بالضرورة صحيح دائماً. والبعض الآخر يظن العكس، أي أن (التسويق الإلكتروني مكلف وباهض الثمن بالكامل) وأنه كي يحقق عوائد مجزية يلزمه تنفيذ حملة بعشرات الألوف عن طريق مشهور أو مؤثر، أو يطلق حملة تسويق إلكتروني آلية عبر إحدى المنصات بميزانية عالية، وهذا أيضاً ليس بالضرورة صحيح دائماً وربما لا يأتي بنتيجة جيدة إذا تم تنفيذه بطريقة خاطئة.
الواقع أن التسويق الإلكتروني يتمتع بمرونة عالية جداً في التكاليف، تسمح لك بالاستفادة من مزايا عديدة وربما حتى تحقيق عوائد مجزية من التسويق الإلكتروني وأنت من يحدد الميزانية. ففي أغلب أو ربما جميع الأحيان ستحتاج للحلّين: المجاني والمدفوع بنفس الوقت .. لكن بإمكانك أن تهندس التكاليف وتصمم الحملة لتعمل بالضبط كما ترغب أنت: عدد الأيام، وكم ساعة كل يوم، ومن تستهدف تحديداً (تستطيع الوصول للشريحة المستهدفة بالدقة بدلاً من أن يضيع الاعلان باستهداف جميع الناس) وهنا تأتينا فائدة منصات جمع وتحليل البيانات التي أشرنا لها في النقطة السابقة.. فكل التقارير التي تستفيدها من هذه المنصات ستبني عليها خطتك التسويقية ومن تستهدف بالضبط.
أما في موضوع العقارات فالأمر واضح.. بدلاً من أن يكون عندك معرض وتضيع مساحات كثيرة منه كممرات وأماكن جلوس وانتظار وكاشير، وربما حتى استقطاع مواقف للسيارات، وهذا كله له تكاليفه ومصاريفه التشغيلية غير الصيانة والتنظيف وما إلى. في المتجر الإلكتروني عندك فقط مستودع وهذا المستودع بإمكانك استغلال كل شبر فيه لتخزين المنتجات بالطريقة التي تناسبك كصاحب المشروع دون الحاجة لأن تحسب حساب لأعداد كبيرة من الناس تزور المكان يومياً. ولن تضيع منك أي مساحة لأي غرض آخر لأن الباقي سيكون كله على الانترنت.
المتجر الإلكتروني يتعرف على سلوك كل عميل يدخل على المتجر ويسجل فيه، وسيعرف نوعية المنتجات التي يرغب لها ويبحث عنها ويقترحها عليه باستمرار، ويظهرها له في واجهة المتجر وفي مختلف المواقع الأخرى كإعلانات مدفوعة. بحيث تكون مساحة معينة من واجهة المتجر مخصصة للعميل الفرد ومختلفة عما يظهر لعملاء آخرين حسب اهتماماتهم .. طريقة العرض والاستهداف الشخصي لكل عميل وبشكل تلقائي وآلي خاصية تساهم في زيادة المبيعات بدون أي جهد وهي بطبيعة الحال غير ممكنة في المتجر التقليدي.
شارك المقال عبر: