شارك المقال عبر:
حسين الحاجي:
كل الاستراتيجيات التي تبنى عليها خطط المتاجر الناجحة تدور بشكل أساس حول (التعاطف مع العميل أو تجربة العميل) بمعنى أن كل قرار يُتخذ وكل خطوة تُعتمد وكل خطة تُطبّق، إنما تتم من زاوية انعكاسها بشكل إيجابي على تجربة العميل عند تصفحه للمتجر وعند اتخاذه قرار الشراء. وهذا ينبع من استراتيجية (التعاطف مع العميل) أي أن يتخيل كل فرد من أفراد الفريق نفسه مكان العميل، من أول لحظة يتعرف فيها العميل على العلامة التجارية والمتجر والمنتج أو الخدمة، إلى مرحلة خدمات ما بعد البيع وبرنامج الولاء وتحسين تجربة العميل لاحقاً وباستمرار، ثم يسأل الفريق نفسه: هل سيعجب العميل بهذا ويمضي قدماً؟
لن يحاول الفريق الناجح هنا فرضَ رؤاه ونظريّاته على العميل كي يتبعها، لن يحاولوا كثيراً أن يغيروا من سلوك العميل بقدر محاولاتهم لفهم هذا السلوك والتماشي معه بالطريقة التي تحقق الأهداف وتثمر الأرباح: هل الهدف أن تجعل العميل يشتري أو أن تغير من سلوكه الشرائي؟ حين يصرّ الفريق على رؤاه المثالية بعيداً عن الواقع وبعيداً عن دراسة وفهم سلوك العميل نفسه، قد يصرف جهداً في غير محلّه، ويخسر وقتاً دون تحقيق عوائد. العميل يبحث عمّن يفهمه لا عمّن يغيّره.
من واقع التجربة أود مشاركتكم أهم الزوايا التي يجب أن ينظر منها البائع-الفريق بعين العميل نفسه كي يتحقق عما إذا كانت استراتيجياته متفقة مع أفضل الممارسات في هذا المجال أو لا..
هل المنتجات المعروضة على المتجر تم التأكد من الحاجة إليها لدى العملاء وقبل اعتمادها؟
هل مر المنتج بمراحل اختيار واختبار للطلب وحجم الإقبال عليه والبحث عنه؟
أحياناً يقوم فريق المتجر باختيار منتجات أعجبتهم هم، أو وجدوا عليها عروضاً جيدة ومنخفضة التكاليف، أو لأنها مطلوبة في دائرتهم القريبة، أو لأي سبب آخر وليس من بين الأسباب أن الشريحة المستهدفة من العملاء تحتاج هذا المنتج لحل مشكلة معينة وللحصول على قيمة واضحة منه. المنتج يجب أن يُدرَس جيداً قبل اختياره، بأي طريقة كانت وباستخدام أي قناة جيدة، لكن لا يجب أن يكون الاختيار على غير أساس يربط المنتج بالشريحة المستهدفة ويتأكد من احتياجها له.
وإذا اتفق أن الفريق مهتم ومعجب بالمنتج بدرجة اهتمام واحتياج العملاء له، هنا نتوقع نجاحاً باهراً في تسويقه وشرح خصائصه للجمهور إلى حد صناعة الشغف به!
يقولون في التسويق (إذا سوقت للجميع فأنت لم تسوّق لأحد)، كوكب الأرض اليوم يعيش في عالم الإنترنت وجميع الفئات تتواجد وتنشط فيه، لا يمكن أن نقول أننا نستهدف كل الناس فهذا غير معقول وخارج طاقة أعتى المؤسسات، لكل منتج وخدمة ومشروع فئة هي الأكثر احتياجاً واستخداماً له والأكثر استعداداً أن تدفع المال في سبيل الحصول عليه. وهي التي يجب أن يتم تحديدها وتحليلها وفهمها ودراسة سلوكها ونقاط تواجدها والمؤثرين الأقرب إليها وصياغة الرسالة التسويقية بطريقة تخاطبها مباشرة وتجذبها، وحتى حين إطلاق حملة تسويق مدفوعة عبر منصات التواصل الاجتماعي سيتم تحديد معالم الفئة التي تريد توجيه هذا الإعلان وبالطبع لن تخبر المنصة أن تستهدف كل مستخدميها لأن المنصة نفسها ستبدي لك بعض الإشعارات التي تقيّم حجم الفئة التي تم تحديدها هل هو شديد الاتساع أو شديد الضيق.
بالطبع لا يمكن زعم أن هذه الفئة وحدها هي من سيشتري المنتج، لا يوجد حدود وعوازل بين الفئات والمنتجات، وعلينا أن نتوقع نسبة ما من غير الفئة التي تم استهدافها ستقوم بالشراء لسبب وآخر، لكن مع الوقت إن لاحظنا أن هناك نسبة كبيرة من العملاء من خراج الفئة التي كنا استهدفناها بالبداية فهنا علينا ان نعيد النظر ونعدّل الفئة التي تم اختيارها إلى الفئة التي تفاعلت فعلاً مع الإعلانات والمنتج (حدث هذا مع سيارات مرسيدس في البدايات حيث تم إنتاجها وتسويقها لتلائم فئة رجال الأعمال والأثرياء بينما كان أكثر الإقبال على شرائها من فئة الشباب!).
توجد عدة نماذج في الإنترنت لدراسة وتحليل وتصميم شخصية العميل المثالي وهي مختلفة في محتواها لكن الفكرة واحدة، ويختار البائع النموذج الأنسب له في تحليل شريحة عملاءه المستهدفة.
لدينا محل في السوق، بديكور قديم وأرفف مغبرة وإضاءة متعبة للعين وأجواء كئيبة، ممرات ضيقة والبضائع متناثرة في كل مكان وليست مرتبة، ولا عناية واضحة من الموظفين بالزوار، ولا يكاد الزائر يتجول خلاله بانسيابية ولا يستمتع بتواجده فيه.
بالمقابل، محل آخر مجاور له ويوفر نفس نوع البضائع لكنه يتمتع بأجواء حيوية ومنتعشة باستمرار، النظافة فائقة ورائحة العطر تفوح في أرجاء المكان، الموظفون يستقبلون الزائر بالترحيب. الإنارة ساطعة والأرفف أنيقة والبضائع مصفوفة بعناية وذوق عالٍ في العرض مع ممرات واسعة للمشي يرتاح خلالها الزائر في تجواله، ويتم تجديد البضائع المصفوفة خلف واجهة المتجر الزجاجية باستمرار ليثيروا اهتمام الزوار دائماً لاستشكاف المزيد.
هل وصلت الفكرة ؟
نعم .. هذا ينطبق بالضبط على المتاجر الإلكترونية.
لتصميم وتخطيط المتجر الإلكتروني قواعد أساسية تجعل تجربة العميل ناجحة وسلسة وانسيابية عبر المتجر، ومن دونها قد يبدو المتجر للعميل لا يستحق الكثير من وقته ويغادره سريعاً:
- سرعة التصفح:
يجب التأكد دائماً من أن المتجر يستغرق أقل وقت ممكن كي تفتح الصفحة كاملة للمتصفح، أكثر من 3 ثواني لفتح الصفحة تضع المتجر في خطر الإغلاق فوراً. توجد عدة أدوات إلكترونية عبر الإنترنت لقياس سرعة التصفح وتقييم وضع الموقع.
اختبار سرعة تصفح متجرك عبر Page Speed.
- التوافق مع شاشة الجوال:
أياً كانت الإحصائية التي قد تطّلع عليها ستجد أن أغلب المتسوقين عبر الإنترنت يفعلون ذلك عبر الهواتف الذكية، من الضروري بل والغني عن الذكر أن يكون تصميم واجهة المتجر متوافق مع شاشة الجوال بمختلف محتوياتها من الصور والتصاميم إلى النصوص والأيقونات. إذا كان للمتجر نسخة وحيدة فقط هي نسخة التصفح عبر الكومبيوتر فقد تخسر نطاقاً عريضاً من المتصفحين عبر الجوال. لن يروق للمتصفح أن يقضي وقته في عمل تقريب وتبعيد عبر الشاشة ليقرأ التفاصيل والنصوص ولن يكون العميل أكثر حرصاً على إتمام العملية الشرائية من البائع، إن لم يكن المتجر مريحاً له سيغادر فوراً!
اختبر ملاءمة متجرك للتصفح من الهاتف الذكي عبر Think With Google.
- خطوات طلب مختصرة:
يجب ان يكون الطريق إلى الكاشير قصيراً، أقل الخطوات ما بين الطلب والدفع وفي مسار واضح ومتسلسل، الخطوات الكثيرة والتعقيدات وكثرة الإجراءات والأيقونات للضغط تملّل المستخدم وقد يلغي العملية، لأن عملية الشراء يجب أن تكون ممتعة كمتعة استهلاك المحتوى الترفيهي في عالم الإنترنت ومجرد وجود تعقيد بسيط قد يعلّق جرس الإنذار.
- تصميم الواجهة:
واجهة المتجر الإلكتروني الأولى التي تستقبل الزائر تعادل الواجهة الزجاجية للمحل في السوق، أناقتها وإعلاناتها والمنتجات البارزة بها وتجددها باستمرار، وتوجيه العميل من خلالها إلى المنتجات الجديدة والرائجة والمميزة والعروض والخصومات واقتراح مجموعة من المنتجات عليه، كلها لها دور مؤثر في تحفيز العميل للبقاء فترة أطول في تصفح منتجات المتجر واتخاذ قرار الشراء.
- ربط الأنظمة المالية واللوجستية:
بوابات الدفع الإلكتروني، وشركات الشحن والتوصيل، يجب اختيارها على أساس الأنسب للعميل وليس فقط الأنسب للبائع، العميل هو من سيدفع في النهاية لذا يجب أن تكون بوابة الدفع الإلكتروني هي الأكثر استخداماً ورواجاً لدى شريحة العملاء المستهدفة. وكذلك شركة الشحن التي يتم التعاقد معها، فمن الأفضل اختيار أحسن شركات الشحن سمعة في عنايتها بالمنتج وبالعميل وسرعتها في التوصيل وكذلك سعرها المناسب. ومن الجيد تنويع خيارات الشحن ليختار العميل أنسبها إليه وربما كان من الممكن الاستعانة بمجموعة من المستقلين في بعض المدن ليقوموا بالتوصيل بتكلفة أقل من تكلفة شركات الشحن بكثير.
- اللغة الأساسية:
لا تستغرب حين أخبرك أن هناك من أسس متجراً إلكترونياً لشريحة مستهدفة عربية لكنه اختار اللغة الانجليزية كلغة أساسية للمتجر، وحين يرغب العميل في استعراض المتجر باللغة العربية فعليه الذهاب إلى أعلى الصفحة (أو الذهاب إلى إعدادات الحساب، لا أتذكر بالضبط) ويقوم بتغيير اللغة من هناك. الغريب ليس هنا، الغريب أنه كان يشتكي من قلة عمليات الشراء !
يجب تقليل الخطوات والإجراءات التي يضطر العميل إلى اتخاذها عبر المتجر كي يحظى بتجربة زيارة واستعراض مريحة له، حين يصل العميل إلى المتجر يجب أن يكون المتجر جاهزاً تماماً لبدئ عملية شرائية دون أي خطوات جانبية أخرى تتعلق بتعديل اللغة أو بملاءمة المحتوى مع شاشة الجوال أو الاضطرار للمراسلة كي يسأل عن مواصفات ومعلومات ضرورية حول المنتج!
حسناً، ما الفرق بين عميل يتفرج المنتج في المحل، وعميل يتفرج نفس المنتج في المتجر الإلكتروني؟
في المحل، يقوم العميل بأغلب عملية التعرّف على المنتج لأنه يمسك به بين يديه، يتفحّصه جيداً من جميع جهاته ويقرأ تفاصيل مكوّناته ومواد صنعه ودولة الإنتاج، ويتخيل كيف يستخدمه وأين، وإن فاته شيء من هذه المعلومات سيسأل البائع في المحل ويحصل على الجواب من فوره.
في المتجر الإلكتروني، يجب ان يتحمل البائع هذه المسؤولية بشكل كامل لأن العميل لا يمسك بين يديه إلا هاتفه الذكي، ويرمي على عاتق البائع أن يعوّضه عن عدم وجود المنتج أمامه، وهنا يتخيل البائع نفسه مكان العميل ويقوم بتغطية كل الزوايا المهمة في التعرّف على المنتج على النحو الذي يرضي فضول العميل ويحبّب المنتج إليه ويغري ليقتنيه:
- أكبر عدد ممكن من الصور المتنوعة والواضحة للمنتج من كل زواياه بجودة عالية، وصور لنماذج الاستخدام (مثلا: طفل يستخدم اللعبة، شاب يرتدي الساعة).
- اسم المنتج الكامل والمفصل شاملاً المعلومة التي يود العميل التعرف عليها عن المنتج منذ البداية. (مثلاً: شاحن متنقل سعة 20000 ملي أمبير لون أسود ماركة قوي).
- في صندوق الوصف: املأه بكل شاردة وواردة عن المنتج وصناعته ونصائح الاستخدام، كل معلومة وفكرة ومقترح أياً كانت هي ضرورية، قناعة العميل بالمنتج تزداد كلما قرأ أكثر عن تفاصيله كي يشعر أنه يشتري عن بيّنة ووضوح وقناعة تامة (غياب أي معلومة قد يحتاجها العميل ربما يلغي عملية الشراء أو على الأقل يؤخرها).
- احرص على إضافة المنتج باللغتين العربية والانجليزية إن كان هذا ممكناً، كثرة النصوص المتعلقة بالمنتج وتنوع اللغات يزيد احتمالية وصول العميل له حسب الكلمة المفتاحية التي سيستخدمها في البحث.
- الوسوم التي يتم إضافتها أسفل المنتج تساعد في تصنيفه على المتجر وفي اقتراح المنتجات المترابطة والمتشابهة في الوسوم على العميل حسب بحثه واهتمامه.
- مراجعات العملاء أسفل المنتج من العوامل المؤثرة في قرارات الشراء إذا كانت إيجابية، العميل يثق نسبة لا بأس بها بتجربة عميل آخر وإن لم يكن يعرفه شخصياً لأن العميل غالباً لا مصلحة شخصية له في مدح المنتج لتسويقه وإنما يعرض تجربته الشخصية لباقي العملاء فقط والذين قد يثقوا بها.
- مع تصفح واستعراض كل منتج، يعرض المتجر في أسفل أو جانب الصفحة منتجات أخرى متعلقة به ليضعها العميل في الاعتبار (نرجع هنا لخطوة تقليل الإجراءات التي يحتاج العميل إلى اتخذاها، فالمنتج يظهر له تلقائياً عند استعراض منتج آخر قريب منه، دون الحاجة للبحث عنه).
دائماً ما يقال أن تكلفة الاحتفاظ بالعميل السابق أقل من تكلفة الاستحواذ على عميل جديد، حين يتخذ العميل قرار الشراء من متجر ما، فقد قطع مشوار رحلة العميل كاملاً واتخذ الإجراء النهائي المنشود وأقام علاقة فعلية مع المتجر، كل ما سيحدث مستقبلاً هو حفظ هذه العلاقة وتشجيع العميل على إعادة العملية من جديد وهي عملية ممكنة بعدة طرق كلها تصب في هدف تحفيز العميل على العودة، حيث يكون لدينا نسبة كبيرة من العملاء لا يعودون للتعامل مع المتجر بعد المرة الأولى فمن اللازم البحث عن الأسباب.
من وسائل الاحتفاظ بالعلاقة مع العميل والبقاء على مسافة قريبة منه:
1- برنامج ولاء: وله أفكار كثيرة يمكن البحث عنها وحتى ابتكار المزيد منها ولكن الفكرة العميقة هي عوائد إضافية أكثر يحصلها عليها العميل كلما كرر العملية الشرائية (نقاط، خصم، هدايا، رصيد مسترجع .. إلخ).
2- طلب التقييم من العميل: قد لا يبادر العميل إلى تقييم المنتج والخدمة بنفسه، ومن الجيد أن يتم طلب التقييم بشكل واضح عبر الإيميل أو الرسائل، شعور العميل بالاهتمام برأيه وانطباعه ورضاه يضيف إلى تقوية علاقته بالمتجر. كما أن الكثير من ملاحظات وتقييمات العملاء تساهم فعلاً في تطوير الخدمة وتحسين التجربة.
3- ضمان الاسترجاع وإرجاع المبالغ: مما يزيد في اطمئنان العملاء للتعامل مع المتاجر -بالذات في المرة الأولى- هو وضوح سياسة الاسترجاع والاستبدال مع ضمان إرجاع المبالغ لفترة محددة، قد يتصور التاجر أن هذه العملية ستكون مكلفة عليه وستفتح باب إرجاع المنتجات بلا حدود لكن في الواقع قد لا تكون نسبة الإرجاع كبيرة كما يتصوّر وبالمقابل قد تزيد من نسبة الطلبات نظراً لارتفاع نسبة الاطمئنان لدى العملاء. وفي حال كان هناك نسبة كبيرة للإرجاع فهي فرصة للبائع أن يراجع الأسباب ويعالجها.
4- إعادة الاستهداف بالإعلانات المستمرة: كالرسائل الدورية عبر الإيميل، والتي تحمل تقارير موجزة عن المنتجات الجديدة أو أكثر المنتجات رواجاً، أو الخصومات والعروض.
5- البقاء على تواصل للمراجعة والأسئلة: قد يكون لدى العميل عدة أسئلة واستفسارات أو شكاوى حول المنتج الذي قام بشرائه، التجاوب السريع وحل المشاكل بسلاسة وبدون تعقيد يثبت جدية البائع ومهنيّته واحترامه لعلاقته مع العميل، واهتمامه بتقديم خدمة مرضية حقيقية وليس فقط الحصول على المال.
شارك المقال عبر: