حول تخطي حاجز المشاركة في أكثر من [١٠٠ فعّالية] في عالم التدريب والإرشاد وتمكين الشباب

شارك المقال عبر:

• حسين الحاجي:

المسافات التي تعزل حياة المهنة عن حياة المجتمع آخذةٌ في التقلّص، لا بمعنى إلغاء الحواجز والفواصل والدمج الكلي، بل بتسهيل استثمار التجارب -على اختلافها- من أجل صناعة أثر في المجتمع المحيط، يمكن من خلاله للممارس المهنيّ أن يضيف قيمةً إلى فئات اجتماعية مختلفة بعيدة عن الميدان العملي، من واقع اهتمامه الشخصي بالمجال والمعرفة المتراكمة التي يتحصّل عليها من المتابعة المستمرة للجديد. مرةً يجيب عن الأسئلة الأكثر إلحاحاً، ويضع المهتمّين على آخر ما أتيح في الميدان من حلول وممكّنات، مرة أخرى.

مشاركة المعرفة، بمختلف قوالب المشاركة، لم يعد دوراً مقتصراً على من تفرغ له كعمل دائم في المؤسسات التعليمية والأكاديمية، والمعاهد ومراكز التدريب، فمع ارتفاع الوعي حول الاستثمار في الإنسان بالمعرفة والمهارات والدعم والتشجيع الكبير الذي تتلقاه مبادرات التدريب والتمكين، وتحوّل التعلم إلى نمط حياة مستمر لا يعترف بالحواجز الروتينية التي كانت تصعّب الجمع بين مرحلة التعليم ومرحلة العمل .. وصلنا إلى زمن يمكن فيه للطالب -على مقاعد الدراسة المدرسية أو الجامعية- أن يمارس أدواراً مهنيّةً مختلفة دون التخلي عن مقعده الدراسي وحتى قبل التخرج، كما يمكن فيه للموظف أن يواصل تعليمه الأكاديمي أو يستمر في تدريبه في مسارٍ موازٍ للوظيفة دون وجود تعارض بين المسارين، التعليمي والوظيفي.

هناك “نهضة تجسير” تجري بتسارع، تهدف لاستثمار الطاقات والخبرات المهنيّة ومنحها دوراً في تنمية القدرات البشرية، بإمكان الممارس المهني اليوم ألّا يجعل حصيلته العلمية حبيسة الجدران بل ويمكنه حملها معه إلى المجتمع والبيئة الخارجية ليصنع من خلالها أثراً إيجابياً يلبي شيئاً من احتياجات المهتمّين بنفس المجال. وهذا يتم -بداهةً- بما يتناسب مع الظروف الشخصية والمهنيّة التي ستختلف حتماً بين الممارسين ويختلف تبعاً لها نطاق الحركة الممكن.

تظافر الطاقات، وتدشين العديد من البرامج والمبادرات والمنصّات التي تأخذ بعين الاعتبار تطوير الإنسان وتمكين الشباب، في المنطقة وعلى مستوى العالم، صنعت في الإنترنت (مكامن) توازي مكامن النفط التي تعتبر مخازن للثروة، وكما نشتقّ من النفط عدة موادّ يعلم منها كل أناس مورِدَهم حسب نوع الاحتياج والاستفادة، فمكامن الإنترنت أيضاً تكتنز الكثير من فرص النموّ الشخصي والمهني، وهي بأجمعها متاحة لكل المستخدمين من أجل التجربة والمحاولة -على الأقل- دون الكثير من الحواجز والاشتراطات التي تفرضها تجربةٌ مماثلةٌ في السوق التقليدي على أرض الواقع -لو كنا نتكلم عن النشاط التجاري-، وينطبق الأمر على فرص التعليم والتدريب والنمو المهني والوظيفي وتحسين فرص الحصول على الوظائف وحتى استثمار أو اكتساب أبسط المهارات والهوايات وتحويلها إلى مصدر دخل عبر الإنترنت ..

بإمكان كل مستخدم تحويل الإنترنت إلى رحلة نمو مستمرة لا تعرف الحواجز والحدود ولا تعرف التوقف والتعطّل.. ويمكن للمستخدم -إن شاء- أن يمارس الدور على الجهتين: المرسل ، والمتلقّي.

فالنمو الكبير محلّياً وعالمياً في قطاع التجارة الإلكترونية -كمثال على مجالٍ يمكن من خلاله مشاركة المعرفة بين المهتمّين والممارسين، والمجتمع- وما صاحبه من نمو موازٍ في التجارب الناجحة، وبالتالي ازدياد الوعي والاهتمام به لدى قطاعات وشرائح واسعةٍ ومتنوعةٍ في المجتمع سعياً لاستشكاف فرص الاستفادة والاستثمار في هذا القطاع الذي يشكل نسبةً كبيرة في رحلة التحول الرقمي. كل هذا ساهم كثيراً في فتح الباب باتساع على الحاجة لمن يرفد المحتوى المعرفي بإثراءٍ قادم من الاحتكاك الفعلي بتفاصيل هذا المجال، دون الاكتفاء بالمحتوى النظري الذي لا يتجاوز -عادةً- بعض المفاهيم التي لا يسهل على المتلقي إنزالها على أرض الواقع وشقّ تجربته بالاعتماد عليها.

في يوليو ٢٠٢٤، أتخطى حاجز المشاركة في أكثر من [١٠٠ فعاليّة] تعنى بتمكين الشباب وإثراء المجتمع بالمعرفة المهنيّة، في مشوار انطلق منذ ما يزيد عن خمس سنوات.. تركّزت المشاركات في مجملها على المساهمة في التوعية وبناء الكفاءات في عدة مجالات حيوية كالتجارة الإلكترونية، والعمل الحر عبر الإنترنت، وصناعة العلامة التجارية الشخصية وبناء السمعة المهنية الرقمية. عبر معسكرات التدريب وورش العمل الحضورية والافتراضية، وملتقيات الحوار، وتسجيل الدورات الإلكترونية، وجلسات الإرشاد الفردي. وبالتعاون مع أكثر من ٥٠ جهة تنموية في المملكة العربية السعودية والخليج وعلى مستوى العالم.

مع كل مشاركة، وبعد كل تجربة -صَغرَت (لمدة ساعة مثلاً) أو كبُرَت (لعدة أيام)- يترسخ الشعور بأن المعلومة الصحيحة البسيطة الواحدة، التي يراها الممارس المهني شيئاً بديهياً لا يحتاج إلى الكلام، هي نفسها تراها تلعب دوراً محورياً في صناعة قرار مهم لدى الملتقي الذي لا يعيش تفاصيل الميدان واختلاف الخيارات فيه كما يعيشها الممارس المستمر. فجلسة استشارية سريعة أو معسكر تدريبي مكثف، يمكنها جميعاً أن تفتح الآفاق على الأسس الصحيحة لاتخاذ القرار وتزيد من وضوح الرؤية وصقل الأهداف وتسهيل البدايات وتصحيح المسار، والتبصرة بالأدوات والمنهجيات والحلول المتاحة حسب تنوّع الاحتياج والإمكانات.

من هنا يمكن للممارس المهني، في أي قطاع يتيح مشاركة المعرفة المهنيّة مع المهتمّين بالحقل المعرفي المهنيّ نفسه ودون ما يتعلق بتجربة منشأة بعينها أو المساس بخصوصيات بيئة عمل معيّنة، أن يصنع من خبرته رافداً يثري الوعي العام في المجتمع القريب والبعيد ودون الاضطرار إلى نمط محدد من الأنشطة والفعاليّات، فإيصال القيمة للشريحة المستفيدة لا يقتصر اليوم على قالبٍ واحدٍ بل يمتد من تقديم ورش العمل والدورات التدريبية إلى جلسات الاستشارة وملتقيات الحوار إلى صناعة المحتوى الرقمي (المقروء والمرئي والمسموع) يمكن لكل مهتمّ أن يختار من بينها ما يكون الأقرب إلى شخصيته والأنسب إلى الموارد المتاحة له من وقت وجهد.

*      *      *

صور من الأرشيف

شارك المقال عبر: